|
|
تبلغ مساحة الأسوار المحيطة بالبلدة القديمة ثلث كيلومتر مربع بالكاد، وقام ببناء هذه الأسوار السلطان سليمان القانوني في القرن السادس عشر في محاولة لمتابعة مسار الأسوار التي كان قد أقامها الرومان لتطويق أورشليم القدس خلال القرن الثاني.
وترتفع الأسوار عالية بعد إزالة قطع الحجارة التي تراكمت عليها خلال القرون، وقد تم بناء ممشى مع سور واق على الاسوار بصورة تتيح للماشين على ظهر السور الإطلال على المنظر الفريد من نوعه لأورشيلم القدس ومحيطها. " الحزام الخضر " المحيط بالأسوار يشمل حدائق ورود ومنتزهات وحدائق آثرية.
وقد وصف الإنجيل بأنها مدينة محصنة قوية يحوطها سور المدينة، وقام الملك سليمان بعد ذلك بتمديد أسوار المدينة، وفي العام 440 قبل الميلاد في الفترة الفارسية عاد نحميا من بابل وأعاد بناء السور.
ويعتبر اليبوسيون أول من قام بتحصين القدس عندما بنوا قلعة حصينة على الرابية الجنوبية الشرقية من يبوس سميت (حصن يبوس) الذي عرف فيما بعد بحصن صهيون، ويعرف الجبل الذي أقيم عليه الحصن بالأكمة أو هضبة أوفل، وأحيانًا جبل صهيون ( سبق وأن أوضحنا الأصل العربي الكنعاني لهذه الكلمة )، وقد أنشأ السلوقيون في موضع حصن يبوس قلعة منيعة عرفت باسم " قلعة عكرا " أو " أكرا ".
بعد أن أتم اليبوسيين بناء القلعة بنوا سوراً حول الجبل، واليبوسيون هم أول من قاموا ببناء أسوار مدينتهم مما عرف بالسور الأول في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وكان مزودا بستين برجا يشرف منها الجند على حماية المدينة، وموقع السور كان قريبا مما يعرف اليوم بباب الخليل وحي الأرمن وحي النبي داود حتى التلال الواقعة شرقي الحرم، وقد ظل هذا السور يتهدم ويعاد ترميمه على مر العصور، وبلغ ما أحصاه المؤرخون من عدد المرات التي تهدم فيها السور وأعيد بناؤه ست مرات، وليس صحيحاً أن السور الأول من عمل الملك داود، والغالب أنه قام بترميمه فقط، وكان مزوداً بستين برجًا يشرف منها الجند على حماية المدينة، والراجح أن هذا السور كان ممتداً من الأحياء الغربية في البلدة القديمة، وقد كشفت عالمة الآثار البريطانية د. كاثلين كينيون سنة 1961 في أكمة أوفل بالقدس عن بقايا هذا السور (الأول) الذي بناه اليبوسيون.
وحينما هاجمت مملكة إسرائيل، أيام ملكها (بوعاز) مملكة يهودا التي كان يحكمها في ذلك الوقت (797-779 ق.م) تهدم جانب من السور، وفي فترة الاحتلال الآشوري قام الملك منسي (691-639 ق.م) ببناء السور الثاني، وكان عليه 14 برجًا، وعندما هاجم نبوخذنصر المدينة هدمه ثم بنى نحميا في عهد الحكم الفارسي (حوالي سنة 440 ق.م) ما تهدم من السور الذي هدم جزءاً منه بطليموس عام 320 ق.م، وتعرض السور بعد ذلك للهدم مرتين، مرة عند هجوم أنطونيوس أبيقانوس على القدس عام 168 ق.م، ومرة أخرى عند هجوم بومبي عام 63 ق.م، ويحتمل أن جانبًا من سور نحميا ظل قائماً حتى أيام الملك هيرود (زمن السيد المسيح عليه السلام) فأضاف إليه بعض الأبراج.
وقام هيرود أجريبا (37- 44 م) ببناء السور الثالث وكان به 90 برجاً ولما دمرت المدينة زمن طيطوس (عام 135 م) تعرض جزء كبير من السور للهدم.
وأقامت الملكة إيدوكسيا زوجة الملك تيؤدوسيوس (438 – 443 م) سوراً جديداً حول المدينة لكنه هدم أيام الفرس (614 م )، وأعيد بناؤه قبل غزو الصليبيين.
وبعد معركة حطين وفتح القدس، أعاد الناصر صلاح الدين الأيوبي بناء ما تهدم من الأسوار وجدد بعض الأبراج من باب العمود إلى باب الخليل وحفر حولها خندقا.
والسور الحالي أقامه السلطان سليمان القانوني (1536-1540 م) في خمس سنوات، وقد هدمت إسرائيل جزءًا كبيرًا منه بعد حرب 1967، ويوجد بهذا السور 34 برجا وله عدة أبواب بنيا في أوقات متقاربة وهي سبعة مفتوحة وأربعة مغلقة.
ويبلغ طول سور القدس حوالي 4200 متر تقريبًا، يشكل 600 متر منها الجدار الشرقي والجنوبي للحرم القدسي، وتختلف سماكة السور وارتفاعه من مكان لآخر حسب التضاريس الطبيعية للأرض، ويبلغ ارتفاعه في بعض الأماكن 30 مترا، وتزيد سماكته في معظم الحالات على مترين حتى يتمكن الحراس من السير والتنقل في أعلاه بسهولة ويسر. وقد استخدمت في بنائه الأحجار الكلسية بأحجام مختلفة، وفي مداميك منظمة استعملت المونة الجيرية في لحامها " مما أضفى على البناء قوة ومتانة "، ورغم أن المدة التي انقضت منذ الترميم العثماني الأخير للسور تزيد على 450 سنة إلا أن السور ما زال شامخاً يتحدى عوامل التلف والانهيار، إلا في مناطق محددة تحتاج إلى الترميم والإصلاح للمحافظة على هذا الأثر التاريخي العظيم".
في عام 1219، علّى السلطان المعظّم سلطان دمشق أسوار المدينة بموجب معاهدة مع مصر، ثم وقعت القدس بعد ذلك في أيدي فريدريك الثاني ملك ألمانيا، في عام 1239 أعاد فريدريك الثاني بناء أسوار المدينة مرة أخرى ولكنها هدمت من لدن داوود أمير الكرك.
وقعت القدس مرة أخرى تحت سيطرة المسيحيين وأصلحوا الأسوار، وبعدها بعام سيطر الخوارزميون على المدينة وطوروا الأسوار كما علوها وجعلها عازلة وحامية للمدينة.
وقد اعتبرت أسوار مدينة القدس القديمة إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة.